رائدات - الكاتبة السورية هيفاء بيطار : رواية

الأحد, 02-ديسمبر-2012
رائدات -
تميل الكاتبة السورية هيفاء بيطار في معظم أعمالها القصصية والروائية إلى تعرية الواقع وإظهار حقيقته.
وترصد بعين لاقطة تفاصيل صغيرة وتضعها جنبًا إلى جنب لتكوّن منها بساطًا من رقع مختلفة يظهر بشاعة النسج الذي يختبئ خلفه كم من الزيف والخداع الذي يمارسه الناس في سلوكهم اليومي.
ويحصل هذا من الجميع، وأمام الجميع، إنها لعبة مشتركة يتم تبادل الأدوار فيها بمهارة فائقة فلا نعرف من اللاعب ومن المتفرج.
هكذا يبدو جزء من حياة بطلة رواية "هوى"، وهي امرأة مطلقة تعيش مع ابنها في منزل والديها العجوزين، وتعمل في التمريض، ليس الحديث عن تيمة الفقر التي تلازم أعمال بيطار هو فقط ما يميز كتابتها، بل عملها على تناول مناطق نفسية بعيدة وشائكة.
إن أبرز ما يلفت الانتباه في رواية "هوى" هو الحفر المستمر في الداخل، النبش فيما وراء الظاهر، تعرية الذات كما لو أنها أسلاك كهربائية مشتعلة لتعكس حرارة احتراقها إلى الخارج.
وهناك النقد اللاذع لما يحدث في الوطن من سرقات ونهب للمال العام، قضاة مرتشون، أطباء مزيفون، وممرضات بائسات، تتناسل المآسي في الرواية، بلا أيِّ بارقة أمل، تلمس هيفاء بيطار الواقع بيد قاسية، تشرحه بلا رحمة وتقدمه للقارئ كما هو بلا أيِّ تجميل.
وتناقش بيطار سائر المسلمات التي يفرضها المجتمع في الأخلاق والسلوك، تفاصيل كثيرة وأحداث مؤلمة تعرضها الكاتبة للنقاش والجدل من دون الوصول إلى حلّ.
وتسلك بطلة الرواية "إيمان" في حياتها طرقًا فرعية للحصول على المال، تبيع أدوات الجراحة إلى تجار يستفيدون منها، وتقبض المال الذي تؤمّن من خلاله مستلزمات عيشها هي وابنها الصغير، وتمارس حلمها في امتلاك شقة كبيرة بالتقسيط، شقة تعيش فيها وحدها، وتمارس حريتها.
وكل هذه السقطات، والتخبُّط الذي تعيشه بطلة الرواية، ليست إلا مرآةً شفافة تعكس واقع فئة من النساء في المجتمع العربي، حيث الأجور الزهيدة، ساعات العمل الطويلة، وغياب أيِّ أمان اجتماعي أو مادي.
وليس هناك سقف يحمي هذه الفئة من النساء، لذا تجبر على السقوط مرة تلو أخرى، فرارًا من فخاخ الفقر والتشرُّد، والجوع المادي والمعنوي.
يمكننا القول إن البرد، والفقر، الجوع، الاغتراب، غياب الأمان، خطوط عريضة ترسم هيكل الرواية ككل. وتعرض الكاتبة للتحولات التي تتعرض لها حياة بطلتها، دخول السجن بسبب بيع أدوات جراحية من المستشفى، ثم خروجها منه بعد دفع رشوى من المال للقاضي، ثم تحولات أخرى أبرزها زواجها من رجل يكبرها في السن مريض بالسرطان.
ويجمع البطلة بالفيلسوف إحساس متناقض ما بين فراغ العمر وكبره بالسن وبين افتتانها بكتبه وبيته وأصدقائه، وتجاربه الحياتية وأفكاره.
ولا تلبث المدينة الساحرة "بيروت"، والعلاقة مع رجل مثل "الفيلسوف" أن تتفكك وتنكشف حقيقتها في حياة "إيمان" التي تستوعب أن كل ما تعيشه ليس إلا وهمًا يشبه ورق السوليفان اللامع والهش، يكبلها ويوحي لها بأشياء غير واقعية، وبالتالي عليها التحرُّر من سطوتها.
وعلى أثر هذا التمرُّد الذي تمثل في قرارها الانفصال عن الزوج العجوز تعود إلى بلدها لتحيا بالقرب من ابنها، وتعود لتمارس حياتها الأولى في المستشفى.
وتعمدت الكاتبة خلال السرد إلى تحليل حالات نفسية تتكرر أمامنا في الحياة، للحد أنها باتت لا تستوقف أحدًا، تراقبها وتحللها بعين خبيرة، ثمة نتائج للفقر والفساد الاجتماعي غير الأوضاع الاجتماعية السيئة، هناك إفرازات نفسية مدمرة لا جدوى للتخلُّص من سمومها، هناك الحديث عن أنواع الاكتئاب الكثيرة المتفشية بين الناس والتي تعايشوا معها، حيث باتت جزءًا من طبيعتهم، ثم هناك البلادة، والإذعان، التقوقع، والجهل، الرضوخ، والجشع، أمراض منتشرة لكن لا تشخيصها أو الحديث عنها.
وتختتم هيفاء بيطار روايتها بالحديث عن أمل مرتقب في حياة البطلة، أمل يدفعها للاستمرار بالحياة ومقاومة رغبتها بالانتحار التي كانت تراودها مرارًا، تقول في ختام الرواية "الحياة هي أن نستمر في الأمل رغم معرفتنا مدى الخراب حولنا": وكالة الصحافة العربية.
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 20-مايو-2024 الساعة: 04:31 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.raedat.com/news-98.htm