رائدات - زينب عيسي

الخميس, 20-أكتوبر-2016
رائدات /بقلم :زينب عيسي -
قبل عامين أو يزيد التقيته في بيت المجمعيين الكائن علي نيل القاهرة بالزمالك ..كان هادئا ودودا كعادته متمكنا من أدواته لكن في بساطة العظماء وربما كان ذلك سر تفرده بين شعراء ومثقفي مصر والوطن العربي ..تجاذبنا أطراف حديث كان مقدر له ساعة علي الأكثر لانشغاله آنذاك في فعاليات مؤتمر المجمع السنوي، لكنه امتد قرابة 3 ساعات عاد فيها الشاعر الكبير فاروق شوشة إلي أيام طفولته الأولي في قرية الشعراء والأجواء الثقافية الرائعة التي صاحبت تلك الفترة من حياته حيث ولد لأب عاشق للغة العربية ولديه مكتبه عامرة بصنوف الشعر والأدب فقد كان معلما وعن طريق مكتبته الصغيرة اكتشف الشعر وتعلم القراءة.. ورغم ذلك كان يطرد الشعر من البيت ظنا منه أنه قد يفسد الدراسة علي الابن الصغير في مراحلها التأسيسية الأولي ،وهنا كان دور الأم الحانية التي جذبته الي الشعر وشجعته عليه لكن خلسة حتي لايذهب دون رجعة.

كان فاروق شوشة الشاعر والإعلامي المصري الكبير الذي غادر الدنيا منذ أيام قليلة عن عمر يناهز 80 عاما خير من يحادثك صوتا وصورة، فخيال الشاعر لم يفارقه أبدا بصوره الايحائيه الرائعة التي تجعلك رغما عنك مشاركا في حدث مرت عليه عشرات السنين.. قال لي : بيتنا الريفي كان في المزارع بينما بيت جدي لأمي كان في القرية ويجاوره مقهي كبير يجيء اليه في ليالي مضان منشد شعبي هو سيد حواس علي الربابة وينشد مع فرقته السيرة الهلالية.امي كانت تأخذني في الاجازات الي بيت ابيهاومن خلال هذا البيت تصل الينا اصوات المقهي واصوات سيد حواس.. وكذلك ايقاع السيرة الشعبية وخيال السيرة الشعبية وابي زيد الهلالي والزناتي خليفة والمعارك والفتوحات وقصص الحب كلها دخلت الي وجداني قبل ان اعرف الشعر الفصيح.

والمرأة عموما في حياة الشعراء تعد الملهم الاول والنبع الذي يستقي منه ابداعه ويتفرع بعد ذلك الي مواقف واحداث وروايات لا اول لها ولاآخر ، وفي حياة فاروق شوشة حضرت المرأة بقوة منذ تفتحت عيناه علي أمه الحاضن الاول لقصائده ثم زوجته هاله رفيقة الدرب وابنتيه رنا ويارا ثم الحفيدات ..كل هؤلاء النساء وغيرهن من عاش وكتب عنهن وبهن الشعر و قال في أحاديثه الإعلامية :العلاقة مع المرأة ليست رافدا واحدا ولا تيارا واحدا انما هي جملة أنهار وجملة روافد فالمرأة اساس وشاعر ليس في كونه امرأة ليس شاعرا ولذلك نحن نتشكل بعلاقة مصيرية وحميمة مع المرأة منذ تكويننا كجنين في رحم الام وتصبح العلاقة مع الام هي بداية التعرف الي عالم الامومة والكينونة.ثم تتواصل هذه العلاقة مع الاخوات ثم مع حبيبة تصبح
ملهمة.. ثم تصبح زوجة.، ثم أم فجدة .

قدّم فاروق شوشة عددا من الدواوين التي خلدت اسمه بين الأدباء والشعراء ومن بينهم، ديوان "العيون المحترقة" في العام 1972، و"سيدة الماء" في العام 1994، كما قدم عددًا من القصائد الشعرية العذبة الممزوجة بالحب والوطنية أبرزها "بغداد يا بغداد"، و"لحظة بقاء"، و"رسالة إلى أبي"، و"وأحلى 20 قصيدة في الحب الإلهي والعلاج بالشعر" و"لغتنا الجميلة ومشكلات المعاصرة" و"عذابات العمر الجميل"، إضافة إلى قصيدة "الشهداء" التي أهداها لشهداء ثورة 25 يناير.
و قصيدة "خدم.. خدم" التي أثارت جدلًا واسعًا حيث شن فيها هجومًا حادا على المثقفين، فالرجل رحمه الله لم يكن هجوميا بطبيعته لكنه كان موجوعا بأشياء كثيرة سواء علي المستوي الاجتماعي والانساني والثقافي والسياسي أيضا فلا أنسي كلماته عن مآسي الاعلام وحزنه علي ما وصل اليه حاله من استهلاكيه وسطحية أدت الي تراجع اللغة في وسائله المختلفة ما أدي بدوره الي غياب الرسالة الجادة المنوط بها هذا الصرح البالغ الاهمية في تاريخ الامم فقد كان يري أن الكلمة هي رصاصة دون بندقية تصيب السلبيات في مقتل .

ومن أجمل ما كتب في قصائد الحب قصيدة "هل تذكرين" التي قال فيها للمرأة:
بأعماق عينيك أبصرت حبسي

وأبصرت واحة امني وخصبي

تفجر دنياك في خاطري

ترانيم شوق توسدن قلبي

فيا طائري الحلو,عيناك افقي

وخطوك لحني,ودربك دربي

غدا.... سوف يعبر يومي غد

وتمتد خلف رؤانا يد

تطوق أيامنا بالحنان

ليجمعنا في غد موعد

ويرتاح قلبي إلى شاطئ

يطوف فيه الهوى الأسعد

سأذكر بارقة من حنين

أضاءت بقلبي فراغ السنين

وأذكر موجة حب دفين

تداعب أحلامنا كل حين

وتطفو على صفحات العيون

سأذكر ماعشت هل تذكرين.

وحين يذكر اسم فاروق شوشة يتبادر الي الذهن فورا الشاعر الاعلامي الموسوعي الذي قدم للمجتمع العربى أجمل ما سمع من تراث لغته العربية من خلال برنامجه الشهير " لغتنا الجميلة" الذي كانت تنتظره كل الجماهير بشغف ورغبة في معرفة لغتها من خلال صوت مميز رائق ينفذ الي القلب بعذوبته وهدوئه . لن نذكر كلمة الاذاعة المصرية سوي مقترنا بها فاروق شوشة الذي ساهم فى إثرائها مذيعا ورئيسا ،فضلا عن برنامجه الثقافي الشهير بالتلفزيون فى واحدة من اجمل السهرات الثقافية مع فطاحل لثقافة المصرية والعربية .. الشاعر والاعلامي والانسان فاروق شوشة سوف تحكي عنه الاجيال الناطقة بالعربية كواحد من أهم المدافعين عنها. وابرز الاعلاميين المهنيين أصحاب الكلمة الجادة المحترمة .رحم الله صاحب "لغتنا الجميلة".

تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 29-أبريل-2024 الساعة: 06:09 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.raedat.com/news-974.htm