رائدات - بقلم: فريدة العبيدلي

الأربعاء, 27-يوليو-2016
رائدات/ بقلم: فريدة العبيدلي -
أستهلّ مقالتي هذه بتعزية أهالي أحداث مجمع ميونيخ التجاري، وسكّان المدينة الآمنة على الجريمة الإرهابية النكراء التي راح ضحيتها عدد من المدنيين الأبرياء، وأستعرض معكم تساؤلاً يطرحه الكثيرون في أعقاب الإعلان عن مرتكبي هذه الأحداث الإجرامية الآثمة بحق الآمنين من البشر، ويستدعي هذا التساؤل التفكر فيه للوصول لحل هذه المعضلة المثيرة للتساؤل والجدل في أذهان الكثيرين من المتابعين لمجريات أحداث القتل الجماعي على الساحة الإقليمية والعالمية، المثير للاستغراب هنا إنه يطلق على مرتكبي هذا النوع من الجرائم في دول الغرب "مرضى عقليون"، ويطلق على أمثالهم من مرتكبي هذه الحوادث "إرهابيون" إذا كانت لهم أي صلة حتى لو من بعيد بالإسلام، سؤال حيرني كما حيّر الكثيرين على وسائل التواصل الاجتماعي بعد حادث مجمع ميونيخ التجاري، مرّت الساعات بطيئة، ينتظر فيها الناس خبراً يوضّح ماهية مرتكب الحادث، ودوافعه وأسبابه لهذه الفعلة الشنيعة النكراء التي أودت بحياة الأبرياء، وروعت المتواجدين في المجمع التجاري أثناء الهجوم، وشلت حركة التنقل في المدينة بأكملها، ليأتي الخبر بعدها معلناً بأن مرتكب الحادث يعاني من اكتئاب وهوس بالقتل الجماعي.

سؤال في المجال ذاته للساسة والمسؤولين الأمنيين في الدول الغربية، عندما يطلقون صفة الإرهاب بعموميتها ودلالاتها اللغوية والمعنوية على مرتكب أي حادث فردي إجرامي له صلة حتى لو من بعيد بالإسلام ويطلقون مع نشر الخبر صفة الإرهابي، هل يغيب عن حساباتهم أن من يعيشون في مجتمعاتنا بشر ومنهم من يعاني من اضطرابات نفسية وأمراض عقلية ؟ وقد تبدر منهم مثل هذه السلوكيات الإجرامية البغيضة، لماذا يصنفون عندهم مرضى عقليين وعندنا إرهابيين؟

هل هي صورة نمطية (ستريو تايب) أصبحت لصيقة بالإسلام كدين وبالمسلمين كبشر؟

أم هي فوبيا الإسلام والمسلمين؟

أم هي أيدلوجيات دينية ؟

أم هي تكتيكات استخباراتية ومصالح سياسية تسيّرها الأهواء لكل طرف؟

أم هي كل هذه السياسات مجتمعة؟

ما أطرحه من تساؤلات لا يعني تبرئة جرائم الإرهاب أياً كان نوعها، ودوافعها ومبرّراتها وهوية مرتكبيها، وأياً كان موقع حدوثها في أي بقعة من بقاع الأرض، لأن المحصلة النهائية لهذه الجرائم هي إزهاق الأرواح البريئة الآمنة.

وما يجري على الساحة من أحداث متلاحقة، لا يكاد ينتهي حدث إلا ويلحقه آخر أكثر قساوة وعنفاً.. ما يدعو للتساؤل، ما هو الإرهاب ؟ ولماذا يوظف وفقاً للأهواء والمصالح السياسية، كما هو الحال فيما نشاهده من حوادث إجرامية ترتكب بحق المدنيين، بالاطلاع على بعض ما نشر حول تعريف الإرهاب، نجد أن هناك اختلافات واضحة في تعريف الإرهاب بين الهيئات والمنظمات الدولية ويغلب على معظمها ما يتوافق مع مصالح الدول الذاتية، ولا يوجد تعريف محدّد واضح اتفقت عليه جميع دول العالم، بعضهم يعرّفه بالأعمال التي تعرّض للخطر أرواحا بشرية بريئة، أو تهدّد الحريات الأساسية، أو تنتهك كرامة الإنسان، وبعضهم يحصره في العنف المحرم دولياً، والذي تكون دوافعه عقائدية بغرض الوصول للسلطة أو تقويضها، نلاحظ أن هذا التعريف يركز على السلطة وتقويضها وهو ما شاهدناه في انقلاب تركيا الفاشل ومع ذلك لم تستخدم كلمة الإرهاب لإدانته من قبل الدول الغربية المندّدة للحادث، وفي هذا التعريف لم يتم ذكر الإرهاب الذي قد تكون له أسباب أخرى اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية أو مرضية، وهو التفسير الغالب في معظم الحوادث الإجرامية الفردية التي تحدث في دول الغرب ويكون مرتكبوها من غير المسلمين.

المؤسف أن ازدواجية التعامل مع مصطلح الإرهاب تتكرّر، ويتكرّر معها ازدواجية مصطلح حقوق الإنسان عندما يتم التعامل بها في دول المشرق العربي، فكأن أرواح المدنيين التي تقصف يومياً في سوريا والعراق من قبل الدول الكبرى، أو الميليشيات المتحاربة لا يدخل ضحاياها ضمن تصنيفات الإنسان المعرّف في القوانين الدولية، وفي مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يحتكم إليه الجميع.

أجساد الأطفال المتناثرة بين ركام الحجارة والمباني المتهدّمة في المدن السورية، والعراقية والتي تزهق أرواحها بفعل قصف الطائرات، ووحشية أفعال الميليشيات، ألا يعدّ ذلك إرهاباً دولياً وانتهاكاً لحقوق الإنسان ؟ أم أن هؤلاء الأطفال لا يصنفون كائنات بشرية ولا يدخلون في عداد إنسان العالم المتقدّم؟

كم من الأطفال أزهقت أرواحهم ؟ وكم من الأطفال هجروا من ديارهم ؟ وكم من الأطفال فقدوا أسرهم؟

أين المنظمات الإنسانية العالمية التي تنادي بحقوق الإنسان ؟ هل تجيز هي الأخرى هذا النوع من الإرهاب الذي لا يفرّق بين طفل ولد في الشرق وآخر ولد في الغرب؟ أم أن الطفل هنا يختلف عن الطفل هناك ولا يستحق أن يكون طفلاً ؟ أم أن ازدواجية التعامل مع حقوق الإنسان والأطفال في العالمين الشرقي والغربي هي الحاكمة على الأحداث والمسيطرة ؟ ما يتنافى والمبادى الإنسانية التي شرعت من أجلها هذه الحقوق، والتي تتصدّر مواد القانون الدولي ونصوصه، والمعاهدات والمواثيق الدولية.

بماذا يفسر الإرهاب الذي يرتكب بحق المدنيين في سوريا؟ وما هو تصنيف أفعال بشار الأسد في ضوء تفسيرات القوانين الدولية؟

هل هو في نظر العالم إرهابي يقتل شعبه ؟ أم هو مناضل يدافع عن وطنه ؟ أم هو مريض نفسي يمتلك زمام السلطة؟

متى يأتي اليوم الذي يتم فيه التعامل مع جميع القضايا الإنسانية في العالم أجمع شرقه وغربه بمعايير واحدة لا فرق بين بني البشر في الحكم على الأحداث الإجرامية باختلاف منشأهم ومعتقدهم، الإرهاب هو الإرهاب سواء ارتكبه شخص، أو جماعة، أو دولة، وإرهاب الدول أعنف وأقسى من أي إرهاب يمارس ضد الإنسانية، حتى لو غلف بمبرّرات أو مسميات، وفق المصالح السياسية والأهواء الذاتية، الشعوب أصبحت على وعي بمجريات الأحداث على الرغم من مزاعم وتناقضات وسائل الإعلام والقنوات الفضائية التي تردّد ما تنتقيه بعض القنوات الغربية وتكرّره القنوات العربية دون اكتراث بوعي المشاهد وفهمه للأحداث.
*كاتبة قطرية
نقلا عن الراية القطرية
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 03-مايو-2024 الساعة: 05:28 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.raedat.com/news-878.htm