رائدات - زينب عيسي

الثلاثاء, 24-مايو-2016
رائدات /بقلم :زينب عيسي -
حين كنت طفلة صغيرة لم أتذكر يوما أن قارنت امرأة في العالم بأمي وبمرور الوقت والتجربة كبر معي هذا الاعتقاد إلي أن أصبح إيمانا راسخا بأن تلك المرأة الرائعة لامثيل لها ليس فقط لأنها أمي لكن لأنها الحنونة العطوف المتسامحة الراسخة العصبية الهادئة الواثقة المترددة القوية الضعيفة التي ليس كمثلها امرأة .إلي هنا يظل الأمر طبيعيا إلي ان انتقلت من مرحلة الصباوالشباب إلي منطقة الأمومة أفضل واجل معاني الحياة وهنا تكشف لي عالما من السحر والمتعة والغموض أيضا .فكونك أما فقد خصك الله بصفة ومنحة ربانية تنتقلين فيها من خانة الفتاة الدلوعة المعتمدة علي أمها في كل شيء وهي معتبرة أن ذلك واجبا وفرضا عليها إلي امرأة ناضجة تتبدل في نظرها المفاهيم والمعاني ، حين نصبح أمهات نفعل أشياء فوق قدرة أي بشر دون أي شكوي أو ملل أو ضجر،ونقوم بأفعال ومهام لم نتصور يوما أن يفعلها سوي أمهاتنا.

اكتشاف آخر أنار لي الطريق بعد الأمومة وهو أنني لم أكن الطفلة الوحيدة التي تري في أمها ذلك الكائن الخرافي الذي يملك بيده عصا سحرية يحقق لي كل الأماني وان كانت مستحيلة ، بل الجميع يرونها كذلك ويجدونها الأفضل علي الإطلاق ، وفي ظني ليس لأنها الحقيقة لكن لأنها الأم ..المعني الذي لايعادله معني في الكون ،العطاء الذي لايدانيه عطاء لأنه بلا مقابل وهو الأمر المستحيل في عصرنا هذا ،اكتشاف ثالث بعد الأمومة هو أن تلك الصفة لاتسقط بالتقادم بمعني آخر أمهات زمان هن أمهات اليوم وأمهات اليوم أمهات المستقبل ، والبرهان ثابت لاجدال فما كانت تفعله أمي رحمه الله عليها من خوف مبالغ فيه علي مصلحتي وصحتي وراحتي ويثير في بعض الأحيان غضبي كان بالطبع فرط اهتمام وحب وتضحية أراه الآن قمة الحب بل انقله إلي أبنائي بلا شعور ، وأري الكثيرات من صديقاتي وزميلاتي في العمل بل من لااعرفهن يروين ذات القصص والروايات ،وربما النوادر عن أمهاتهن اللاتي فعلن كذا وكذا وقسون عليهن في الموقف الفلاني واليوم العلاني .

فمن منا لم توافق أمها علي رحلة ترفيهية في المدرسة أو الجامعة وظلت تبكي طوال الليل وهي تتخيل زميلاتها يقضين أوقاتا رائعة قد حرمت هي منها بسبب تعنت أو ظلم والدتها ،وكم من الفتيات حرمن من الخروج إلي عيد ميلاد قريبة أو صديقة اوزميلة دراسة لان الوقت سوف يكون متأخرا في طريق العودة ، واعرف صديقات توعدن واقسمن اليمين الغليظ أنهن لن يفعلن ذلك مع أولادهن لكنهم أبدا لم يوفين بذلك وجميعنا أمهات لم نف ولن نصدق بل نفعل كل ما فعلته أمهاتنا انطلاقا من الحب والخوف علي فلذات أكبادنا كما فعلن هؤلاء العظيمات.

فالأمومة مسئولية قبل أن تكون عاطفة وحب ، وأيضا ليس هناك تعارضا بين التربية القائمة علي الحرية والديمقراطية داخل الأسرة وبين الفطرة التي جبلت عليها الأم من حيث حرصها علي أبنائها وحمايتهم من أي مخاطر قد يتعرضون لها علي ألا يزيد ذلك عن حده فنحن نتحدث هنا عن عاطفة الأمومة التي لم تتحول الي عقدة الارتباط المرضي بالأبناء والذي قد يتحول بالوقت إلي خوف مبالغ فيه عليهم بما يصبح طوقا حول رقبتهم أو يحيل حياة الأسرة الي الجحيم بسبب هذا الحب ،لكن المقصود بالأمومة تلك العاطفة الطبيعية القائمة علي التوازن في التربية ما بين الشدة واللين ، فالاعتدال سمة الكون وحكمة الله سبحانه في خلقه والأمومة قمة الاعتدال ، وألام هي الرحمة مجسدة علي الأرض وان قست أو غضبت فهي الأروع والأفضل والأعدل.
هكذا كانت أمي
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 06-مايو-2024 الساعة: 04:37 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.raedat.com/news-857.htm