رائدات - نساءٌ خلف قضبان البطالة

الأربعاء, 02-مارس-2016
رائدات -
منظر المرأة الستينية منحنية الظهر ، بالكاد رأيت وجهها الذي امتلأ بخطوط الكبر (التجاعيد) وبيديها المرتعشتين تمسك بسنارة الحياكة محاولة إكمال مابدأت به وكان على مايبدو وشاحا (لفافا) لتدفئة الرقبة خلال فصل الشتاء . المرأة كانت جالسة في غرفة صغيرة في جزيرة البورصة في تركيا لتبيع ما تنتجه للسياح حيث كانت تضع أمام باب الغرفة مجموعة من الأعمال اليدوية . هذا ماجعلني اكتب هذا التحقيق بعد ان سرحت بمخيلتي بالتفكير في نساء العراق اللواتي ينتشرن قرب السيطرات الأمنية وإشارات المرور من اجل التسوّل وكأنها المهنة الوحيدة التي يواظبن على ادائها رغم صغر أعمار أكثرهن .
ظروف الواقع
الظروف التي مرت على العراق لها تأثير واضح وكبير على واقع الحياة الاجتماعية والاقتصادية حيث خلفت اكثر من مليون ونصف المليون أرملة وأعدادا كبيرة من المطلقات اضافة الى العنوسة حيث يتصدر العراق الدول العربية والاقليمية في عدد النساء العوانس .قصص وآراء لنساء طالتهن البطالة وظروف فقدان المعيل الوحيد ان كان الأب او الأخ او الزوج .
تقول "منى حسن" التي فقدت زوجها إبان العنف الطائفي عام 2008 : "مقتل زوجي الذي يعمل في محل لبيع المواد الانشائية وسيطرة اشقائه على البضاعة في المحل وعدم منح حقوق اولادي الاثنين هو ما جعلني اعمل في صنع الحلويات والمعجنات والأطعمة الجاهزة." مضيفة: " قمت ببيع بعض اثاث المنزل من اجل توفير المواد الاولية اللازمة للبدء بالمشروع ومادفعني الى ذلك عدم وجود راتب او حتى مبلغ تخصصه الحكومة لضحايا الإرهاب لمساعدة العوائل في توفير ابسط مستلزمات الحياة اليومية." منوهة: "ولولا ان زوجي يملك بيتا صغيرا اشتراه من ميراث والده لكانت حالتنا صعبة وحرجة جدا ".
نساء وتسول
بينما قالت ام احمد ، "أرملة" ترتدي عباءة سوداء رثة تعيش في منطقة سبع البور وتأتي الى منطقة الدورة كل يوم من اجل التسول، ان زوجها توفي في احد الانفجارات التي حدثت في منطقتهم وعند مراجعة محافظة بغداد - لجنة تعويضات ضحايا الارهاب لم تحصل الا على مليونين وخمسمئه الف دينار كانت كافيه بالكاد لسد الديون التي خلفها علاجه نتيجة الاصابة قبل الوفاة. مبينة: "ان الحكومة لاتوفر لهم موردا مشروعا يمكن ان تعيش منه مع افراد اسرتها المكونة من خمسة اشخاص ."
واضافت ام احمد ان زوجها كان المعيل الوحيد للعائلة اذ كان يعمل بإجور يومية ، وايجار السكن في سبع البور لايتجاوز 100 الف دينار. مردفة: انها لاتعرف عمل شيء غير التسول وجمع المال كأسهل وسيلة لذلك تأتي الى منطقة الدورة شارع (6) كل يوم وتجمع (50) الى (60) الف دينار .
نساء والأشغال الشاقة
في منطقة السدة الواقعة خلف مدينة الصدر هناك نساء يتوشحن بملابس سوداء ولايخرجن سوى عيونهن يقمن بتنظيف الطابوق وجمعه وبيعه بأسعار زهيدة لما يعرف بـ (الدوارة) . "ام كرار" في العقد الثالث توفي زوجها بعد اصابته بالسل الرئوي، تقوم بعزل بقايا الاسمنت من الطابوق قالت: الحكومة لاتهتم بحالنا ولاحتى باطفالنا فهم بدون مدارس وتعليم. ذاكرة: لدي ابن صغير يجمع الفافون والبنت تقوم ببيع العلكة في اشارة مرور ساحة مظفر. مضيفة: لو كانت الحكومة توفر لنا ورشا لتعلم الخياطة او حتى غسل وكوي الملابس مقابل اجور لما كان هذا حالنا نتعذب صيفا بسبب حرارة اشعة الشمس الحارقة وبالشتاء نفقد عملنا بسبب المطر وعدم استطاعتنا المجيء الى مكب النفايات للبحث عن الطابوق والسكراب ، فأية حياة هذه التي نعيشها بين اكوام النفايات .
أعمال يدوية ودورات تأهيل
الخبير الاقتصادي فلاح احمد بين لـ(المدى): ان البطالة تأتي من قلة الموارد المالية الموجودة وحاليا وسابقا في العراق توقف عمل القطاع الخاص. مبينا: ان الدولة اصبح تركيزها على القطاع العام ولايمكن الاعتماد فقط على المؤسسات التي امتلأت واصبح فيها فائض ولو قارنا عدد الموظفين في العراق بالنسبة للقطاع الحكومي وبين الولايات المتحدة الامريكية التي فيها (400) الف موظف بينما عددهم في العراق اربعة ملايين واربعمئه الف موظف. مشددا: ان الدولة اهملت القطاع الخاص الامر الذي تسبب بارتفاع معدلات البطالة في البلاد.
واضاف احمد: مجتمعنا ذكوري وقليل من النساء يحصلن على الوظيفة وان عملن في شركات خاصة او سنحت لهن فرصة العمل فستكون بسيطة. مضيفا: حتى اذ توفرت لهن مؤهلات معينة نجد ان ذلك قليل ايضا. مؤكدا: ان على الحكومة ان تدعم النساء من خلال فتح الورش والمشاريع التي يمكن ان تساعدهن على توفير العيش لأولادهن.
واسترسل الخبير الاقتصادي : كما يمكن فتح دورات خياطة وحلاقة من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي تركت المرأة العراقية تواجه مستقبلها لوحدها. مشيرا الى ان البعض منهن اتجه نحو التسول الذي ارتفعت نسبته خاصة بين الفتيات والشابات اللواتي يندى لهن الجبين عند رؤيتهن بين السيارات يطلبن المال. موضحا: لوكانت هناك مشاريع حكومية لما انقرضت الحياكة والخياطة والتطريز هذه المهن التي كانت منتشرة في السنوات السابقة والتي ساعدت الكثير من العوائل في عبور فترة الحصار الاقتصادي حين وقفت المرأة بجانب الرجل بكل شجاعة وفخر.
3500 أرملة في منظمة واحدة
القانونية دلال ، رئيسة منظمة فاطمة الخيرية.... والتي تضم اكثر من (3500) امرأة ذكرت في حديث لـ(المدى): ان منظمتها تحاول فتح مجال للمرأة العراقية وخصوصا الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن بسبب العمليات الإرهابية من خلال فتح الورش للتدريب على ممارسة مهنة معينة ومنها الخياطة مثلا. مستطردة: حيث تأتي المستفيدة وتأخذ كورسا تدريبيا ومن ثم تجهز بأدوات الخياطة وتقوم بالعمل ذاتيا وما يجنى من مال يكون للمستفيدة. مشيرة الى ان الدول المانحة التي تمول المشاريع تحدد عدد المستفيدات والمدة.
واوضحت رئيسة منظمة فاطمة: منظمات المجتمع المدني ترتبط بعقد واجب التنفيذ ، فمثلا مهنة صناعة الزهور كانت لمدة (3) اشهر وبعدد (120) مستفيدة ، العدد اصبح (180) لأن النساء جئن للورش وبدون ادوات عمل من اجل الاستماع والمشاهدة للتعلم. مشيرة الى ان مهنة الحلاقة تشهد زخما وقبولا كبيرين من قبل النساء. متابعة: ان الحكومة لاتفتح ولا تمول مثل هكذا مشاريع تحتاجها النساء ومجتمعنا العراقي اصبح مجتمع النساء اكثر من الرجال بسبب الحروب التي مرت عليه، لذا يجب استيعاب الاعداد المتزايدة من النساء اللواتي نزل الكثير منهن للتسول في الشوارع. متسائلة: اين لجنة المرأة والطفل في مجلسي محافظة بغداد والنواب؟
العلاوي وبيع السكائر
رغم كل الظروف والأحوال الجوية إلا أن ام عبد الله تجلس في مكانها المعتاد في الكراج رغم مرضها المزمن. ام عبدالله مطلقة ومعيلة لثلاثة اولاد ، زوجها لايدفع النفقة بعد ان ترك الاولاد عليها . تقول: اولادي في المدارس اريدهم ان يتعلموا وان لايجلسوا على الرصيف لبيع السكائر رغم انهم يرغبون بالعمل اثناء العطلة الصيفية، لكني امنعهم ايام الدراسة. مبينة: ان السكائر ربحها جيد والناس تساعدني اغلب الاحيان. موضحة: نسكن في غرفة في منطقة العلاوي القديمة والحال مستور.
ام عبدالله قالت ان الحكومة لايهمها حال الشعب. لافتة: ان مبلغ الرعاية الاجتماعية كل شهرين واحيانا يتأخر. متابعة: منذ اربع سنوات ابيع السكائر اذ اضطررت للعمل رغم كبر سنّي وسوء حالتي الصحية في تنظيف المنازل بعد العودة من الكراج واكون منهكه القوى لكن (العيش صعبة).
ارتفاع نسبة الفقر
تشير إحصائيات وزارة التخطيط والإنماء العراقية إلى ارتفاع نسب الفقر في البلاد بشكل يبعث على القلق. يقول عبد الزهرة الهنداوي، المتحدث الرسمي باسم الوزارة، ان نسب الفقر قد ارتفعت إلى 30 بالمئة.
ويرجع الهنداوي هذه الزيادة إلى أحداث العام 2014 واحتلال بعض المدن العراقية من قبل تنظيم داعش والعمليات العسكرية وتهجير ونزوح الملايين من سكانها.
16,000 حالة فساد
الجهة المسؤولة عن الإشراف على توزيع المعونات الحكومية لمستحقيها من الفقراء هي وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عن طريق برنامج شبكة الحماية الاجتماعية. وتقول الوزارة أنها بدأت بإصلاحات تتعلق بمحورين. الأول: زيادة قيمة المنح الشهرية لمستحقيها. والثاني: الحد من الفساد المالي والإداري في الوزارة.
المتحدث باسم الوزارة عمّار منعم قال إن الوزارة قامت بـ نقل الكثير من الموظفين ومعاقبتهم بعد أن ثبت بالأدلة أنهم كانوا يبتزون الناس. مبينا: إن الوزارة تحاول استبعاد من يتسلم معونات وهو لا يستحقها. كاشفا: أن أكثر من 16,000 حالة تم اكتشافها لمكتفين مادياً أو موظفين حكوميين، وتم استبعادهم من البرنامج. مردفا: أن الوزارة تسعى لرفع قيمة المعونات الشهرية وتسريع المعاملات المتأخرة لمستحقيها.
تشريع القانون المنصف
"سهى سامي" عاطلة عن العمل تطالب عبر (المدى) بـ"ضرورة تشريع القوانين التي تتيح للمرأة العمل في المؤسسات الحكومية وبنسب عالية. مشددة على ضرورة ان تتهيأ لها الاجواء الكاملة للقيام بواجباتها على اكمل وجه. مؤكدة انها خير سند للرجال، وتتمتع بقدرات كبيرة يمكنها ان تساعد في بناء القطاع الاقتصادي بالبلاد.
وبينت سامي: ان دول العالم المتقدمة تحاول الان بشتى الطرق الاستفادة من تجارب المرأة واعطائها المناصب العليا والقيادية في البلاد، مستدركة: لا يمكن نكران الوضع غير المستقر في البلاد والتذبذبات الاقتصادية التي جعلت الرجال عاطلين عن العمل ايضا الا ان اغلبهم يستطيعون الاستقرار في اي مهنة بعكس النساء اللائي تحسب عليهن الخطوة ان فكروا بالسير في الشارع ليلا او العمل ببعض الاعمال الشاقة.
أرامل وأيتام
منظمة الصليب الأحمر الدولية اشارت إلى الأوضاع الصعبة التي تعاني منها الأرامل في العراق ، داعية الى وضع برامج لتشغيلهن وانتشالهن من الفقر ، وسط تأكيد لجنة الأسرة البرلمانية أن الأرملة لاتحصل سوى على أقل من 75 دولارا شهريا كراتب من دائرة الرعاية.
وتتضارب الاحصائيات الرسمية مع إحصائية المنظمات الدولية بشأن أعداد الأرامل والأيتام في العراق، ففي الوقت الذي تصر فيه وزارة التخطيط على أن عدد الأرامل لايتجاوز المليون أرملة، وان عدد الأيتام يقترب من المليونين، تؤكد منظمة "اليونسيف" المعنية بالأسرة والطفولة أن هناك نحو 3 ملايين أرملة في العراق، وأكثر من 6 ملايين يتيم .
وقرعت منظمة الصليب الأحمر الدولية ، ناقوس الخطر بالنسب للأرامل في العراق، مؤكدة أن الأرامل في العراق مازلن يكافحن يومياً لتوفير الطعام لأسرهن.
وأشارت المنظمة الدولية في بيانها الى أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقدم المساعدة للأرامل العراقيات من خلال المشاريع الصغيرة التي تتيح لهن فرصة الحصول على دخل يمكنهن من العيش بكرامة، لكنها أكدت في الوقت ذاته أن المساعدات التي تقدمها غير كافية ، داعية الحكومة العراقية إلى بذل جهود أكبر من أجل انتشال الأرامل من الفقر والعوز، لاسيما وأن أغلبهن يكافحن من أجل توفير القوت اليومي لأسرهن.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 25-أبريل-2024 الساعة: 01:09 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.raedat.com/news-641.htm