رائدات -  عن ملالا ورفاقها

الأربعاء, 15-أكتوبر-2014
رائدات /بقلم: سعدية مفرح -
عندما تكون ملالا يوسف زاي المسلمة الثالثة، بعد الإيرانية شيرين عبادي، واليمنية توكل كرمان، التي تحصل على جائزة نوبل للسلام، علينا التفكير إلى أي حد وصلت قضايا المرأة في العالم الإسلامي، وكيف أصبح العالم ينظر إليها باعتبارها أحد أهم مقاييسه في تقييمنا، أمة وحضارةً، وديناً أيضا.
ومع أننا، في كل مرة نكتب فيها بمناسبة موسم جائزة نوبل، بفروعها المختلفة، نذكّر بقناعاتنا الدائمة أنها ليست بريئة تماماً من الأغراض والشبهات الخارجة عن نطاقها المعلن، والداخلة في نوايا القائمين عليها، خصوصا على الصعيد السياسي، إلا أن هذا لا ينفي أهميتها الكبرى، ولا سيما لإلقاء الضوء على القضايا التي يفوز من أجلها الفائزون بالجوائز عموماً.
ومع أن جائزة السلام واحدة من عدة فروع لـ "نوبل"، فهي غالباً، ما تكون، وجائزة الأدب، في بؤرة الاهتمام العالمي، على اعتبار أن الفروع الأخرى تتعلق بالعلوم، حيث المعايير أكثر وضوحاً ودقة وموضوعية، وحيث الفائزون بها، على الرغم من أهميتهم وأهمية اكتشافاتهم وإنجازاتهم الكبرى للبشرية، هم الأقل شهرة واستقطابا للأضواء. وفي هذا العام، كانت ملالا النجمة النوبلية بامتياز، تفوقت فيه حتى على شريكها في الجائزة نفسها، وفي الإقليم الجغرافي نفسه، بل وفي القضية الكبرى نفسها، أيضاً، قضية الأطفال ومستقبلهم، ونعني به الهندي كايلاش ساتيارثي الذي ترك عمله مهندساً ناجحاً لينشط في العمل الاجتماعي لصالح الأطفال.
أما ملالا فقد جعلها نشاطها أشهر من أن يعاد التعريف بها، خصوصاً وأن كثيرين توقعوا أن تفوز بهذا الاستحقاق العالمي قبل سنتين، عندما تصدت، وهي في الرابعة عشرة، لمن أراد منعها، وزميلاتها من فتيات باكستان، من مواصلة التعليم، والذهاب إلى المدرسة، فقط لأنهن فتيات! ولأن تلك البشتونية الصغيرة كانت تملك وعياً مبكراً بما يمكن أن تفعله الكلمة، كسلاح في معركتها ضد الجهل والتجهيل، أجادت استخدامها بإصرار، وعزيمة لم تنل منها رصاصات رجال "طالبان" التي وجهوها لها، وهي في طريقها إلى المدرسة. كانت ملالا قد اشتهرت في محيطها الضيق، أولاً، وبين زميلاتها وقراء مدونتها على الإنترنت، بقدرتها على التعبير عن هواجسها تجاه المستقبل المظلم الذي ينتظرها، هي وزميلاتها من فتيات باكستان، وربما العالم الإسلامي كله، أن تم الاستسلام لقوى الظلام، وهي تتقدم لمحاربة النساء تحديداً بسلاح الفتاوى المزيفة. ويبدو أن نشاط ملالا على الإنترنت أثار تلك القوى، وشعرت أن سحر الجميلة الصغيرة تعدّى حدودها الضيقة، وفي طريقه إلى أن يكون ملهماً لفتيات كثيرات، وللنساء عموماً، ما عجّل بإصدار فتوى القضاء عليها، في عملية إعدامٍ، كان مخططاً أن تتم في الشارع. وهذا ما حدث، لولا أن العناية الإلهية أنقذت الفتاة التي أكملت علاجها في لندن، بمساعدة كريمة من دولة الإمارات.
والجميل في القصة أن الرصاصات التي اخترقت الرأس الصغير لم تقتل أحلامه، بل زادتها توهجاً واشتعالاً، وأصبحت تلك الحادثة محطة انطلاق كبرى، جابت ملالا، من خلالها، مناطق واسعة من العالم، مدافعة أصيلة عن حق البنات، والأولاد أيضاً، في التعليم، بغض النظر عن جنسياتهم، أو خلفياتهم الحضارية والدينية والعرقية، أو مستوياتهم الاجتماعية، وغيرها.
واليوم، بعد أن أصبحت فتاة السابعة عشرة أصغر من يتسلم جائزة نوبل، علينا أن ننظر لهذه التجربة الملهمة باهتمام كثير، خصوصا في بلداننا العربية والإسلامية التي اعتادت، للأسف، ألا تعير ما يفعله الصغار اهتماماً، باعتبارهم غير قادرين على التصرف. لكن، الواقع الراهن يقول إنهم الأقدر فعلاً على التصرف، فالمستقبل وأدواته أصبحا لعباً مسلية بين أيديهم، وعلى من يعتبرون أنفسهم كباراً أن يتركوا القيادة لهم، ويستمتعوا بما تبقى لهم من مسافة الرحلة التي طالما عاثوا فيها فساداً!
ـــــــــــــــــــــ
*كاتبة من الكويت
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 08-مايو-2024 الساعة: 08:06 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.raedat.com/news-486.htm