رائدات - الدكتورة  ريم شطيح تكتب ( انا وصديقي الصغير )

الثلاثاء, 10-نوفمبر-2020
رائدات /بقلم ..الدكتورة ريم شطيح -
في طريق عودتي من پنسيلڤانيا إلى أوهايو حيث أُقيم، ثمان إلى تسع ساعات سواقة متواصلة أُتقنها بكل هدوء، فأنا أحب الهدوء بشكل عام وطويلة الأناة (بالي طويل) في السواقة لا يزعجني أن أسوق مسافات طويلة، فأتّخذ من هذا الهدوء فرصة لي للتفكير حيث عقلي دائم العمل كما يقول لي صديق مُقرَّب "هيدا عقلِك اللي ما بينام،" وهي حقيقة، أنا شخص دائم التفكير، في كل شيء وفي أي وقت.

في السيارة، يسألني ابني ماركو والذي رافقَني لهناك وقضى معظم وقته نائم في السيارة 😄 عن بعض أصدقائه في المدرسة، فيقول لي إنّ علاماتهم A، فقلتُ له هذا جيد، ولكن الأهم هو أخلاقهم ونفسيّتهم ومدى إنسانيتهم، فقال ماذا عن ذكائهم؟ قلتُ ذكاؤهم بماذا؟ التفوق الدراسي ليس دليل ذكاء بالمطلَق بقدر ما هو دليل مواظبة ومتابعة وبعض الذكاء في مواضيع محددة، هذا والأهم أنّ الذكاء ليس مرتبطاً بالأخلاق. وأضفت: هناك الكثير من الشخصيات التاريخية التي عُرِفَت بذكائها وكانت شراً مطلقاً على البشرية ومثال على ذلك هتلر في المجازر والإبادات الجماعية التي قام بها، فهل كان ذكاؤه إيجابياً عليه وعلى غيره؟ لا!
فقال: جواب مذهل وحجة ذكية جداً لم أفكّر بربطها بهذه الطريقة.

ما أريد قوله من مشاركة هذا الجزء من الحديث بيني وبين ابني، هو تسليط الضوء على ناحية مهمة جداً ألا وهي اهتمام الكثير من شعوبنا بتحصيل أولادهم شهادات جامعية وعلامات عالية والتفاخُر بها، وعدم التركيز بالمقابل على بناء أرواحهم وأخلاقهم بذات الإهتمام الذي يولونه للتحصيل الدراسي.

فأهم ما يسعى ليتفاخر به الأهل ويقحمونه في عقول أولادهم هو: ابني طلع الأول، ابني تخرّج من جامعة كذا، ابنتي أصبحت دكتورة، إلخ. ولكن قد نجد الكثير والكثير بين هذه النماذج مِمَّن يحملون الأخلاق الساقطة وانعدام الإنسانية والتفاهة ويتفشّى بينهم الشر والكذب والأنانية والنوايا السيئة.
فهل التفوق الدراسي شهادة أيضاً في الأخلاق؟
كيف نحكم إذن على إنسان أنه جيد؟

يحضرني هنا تجربة دكتور فيليپ زيمباردو في سجن جامعة ستانفورد 1971، والتي كتبتُ عنها هنا سابقاً، وهو ما طرحتُه على طلابي في الجامعة حين درّستُهم هذه القصة، كيف أنّ مجموعة السجّانين (طلاب الجامعة المُختارون) تحوّلوا لوحوش بتعاملهم مع المساجين (أصدقائهم) وقاموا بتعذيبهم بطريقة وحشية. هؤلاء الطلاب (في المجموعتين) هم على أساس أنهم من نُخبة الطلاب "المعروفين" بتفوّقهم الدراسي وهذا من شروط دخول جامعة ستانفورد أن يكون الطلاب بمستوى معين من التفوق الدراسي والسيرة الخالية من المشاكل، هذا بالإضافة إلى أنهم ينحدرون من عائلات معروفة. وهي نتيجة تؤكّد بما لا شكّ فيه أن لا علاقة للتفوق الدراسي بالأخلاق.

من هنا أقول وأشدّد أنْ لا بد للأهل أن يتنبّهوا لهذا الأمر بشكل جدّي وأن يركّزوا في تربية أولادهم على الأخلاق قبل التفوُّق الدراسي. تستطيع أن تحمل شهادة دكتوراه، وهي أعلى شهادة أكاديمية على الإطلاق، وتكون ساقط إنسانياً. الأَوْلى كان أنْ تكونَ أخلاقياً وبعدها احمل أي شهادة هي إضافة جيدة ورائعة لك. فالأخلاق أولاً مع المعرفة والتي يجب أن تعزّزَها، ولا تنفصل عنها، المعرفة التي من شأنها رفع سقف الأخلاق وتفسير الظواهر والسلوكيات بالوصول لخلاصات تُحدّد أيضاً ما هو أخلاقي وغير أخلاقي.

من هنا أيضاً، كنتُ قد طالبتُ في إحدى لقاءاتي وفي مقالاتي بتغيير المناهج الدراسية في بلدي سوريا وغيرها، وتدريس مادة الأخلاق بدل حشو عقول الطلاب بمواد ومعلومات لا تقدّم شيئاً لا للعقل ولا للأخلاق. ماذا ستستفيد الأجيال من بعض قصص الغزو والقتل التي حصلت في التاريخ الغابر، والتي لا تحمل أي حكمة أخلاقية؟ هذا على سبيل المثال وليس الحصر.

المهم وخلاصة القول، إنّ الذكاء والتفوُّق الدراسي ليسا دليلاً على إنسانية الشخص وأخلاقه، ووجب التركيز على هذا الأمر من الأهالي والعمل على تغيير منظومتهم الفكرية اتجاهه والتفاخر بأخلاق أولادهم أولاً. فالقيمة الإجتماعية يجب أن تُقارَب بالقيمة الفِكرية الإنسانية للإنسان وبالمستوى الأخلاقي وليس بدرجة الشهادة أو المنصب أو المال.
# الكاتبة ريم شطيح - استاذة جامعية لعلم النفس/أميركا
تمت طباعة الخبر في: السبت, 27-أبريل-2024 الساعة: 09:56 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.raedat.com/news-1338.htm