رائدات - فردوس عمري

الخميس, 28-سبتمبر-2017
رائدات /بقلم: فردوس عمري* -
تعرفت على حلا بركات منذ أربع سنوات، عندما انتقلت إلى إسطنبول من أجل غرض الدراسة، كنت أعمل حينها في قسم تسجيل الطلاب الجدد في الجامعة، وكنت التقيتُها هناك أول مرة على مِعصمها أساور الثورة.
بحكم أننا كنا في نفس الجامعة، فكنا نرى بعضنا البعض كثيراً، كنت أراقب حركاتها وتصرفاتها وعلاقاتها مع أصدقائها من بعيد، وكنت دائماً أراها مختلفة عن بقية بنات الجامعة.
حلا كانت بسيطة في تعاملها، بسيطة في لباسها، بسيطة في تسريحة شعرها، وحتى في كلامها وأفكارها.
لم تكن تتكلف في الحديث، أو تحاول الظهور بحلة أجمل فكان جمالها يكمن في بساطتها.
لم تكُن تَغيب عن مظاهرات الثورة في إسطنبول، كانت حاضرة دائماً، فكنت أرى فيها الثورة وأرى فيها سوريا.
وكان هدفها الأساسي في الحياة أن تصبح صحفية ذات خلفية سياسية تخدم بلدها وشعبها، ومن أجل تحقيق هذا الهدف كانت تشتغل ليل نهار في مؤسسات إعلامية عديدة، وكانت تشارك في مؤتمرات عالمية للتعريف بسوريا.
قابلت حلا قبل اغتيالها بأسبوع، كنت في مقر العمل وأنا متأهبة لتناول فطوري الصباحي المعتاد، طلبت منها أن تنتظرني حتى نفطر مع بعضنا البعض، فقالت لي: تمام سوف أنتظرك.
بعدما اشتريت الفطور كان على عاتقي شغل عاجل، وكان عليَّ أن أنهيه قبل موعد محدد. فنسيت أمر الفطور وجلست أشتغل، إلى أن أصبحت الساعة تشير إلى الرابعة مساء، وقابلتها بالصدفة عند باب المطبخ فاعتذرت منها وأخبرتها أني انشغلت بالعمل ونسيت أمر الفطور فضحكت وقالت لي: ولا يهمك، خلّيها لبعدين إن شاء الله. لكن لم يحصل ذلك.
كانت إنسانة خلوقة ومؤدبة، لم يكن عندها مشكل مع أي حد، كانت مسالمة جداً وكان كل الناس يحبونها، حتى إنني لم أحتكّ بها جيداً إلا أنني أحببتها كثيراً وعرضت عليها الانضمام لمشروع من المشاريع التي كنت أشتغل عليها، طبعاً وافقت بكل هدوء.
عندها كانت تشتغل في مؤسستين مختلفتين فكانت تتعب كثيراً، فاعتذرت منّي أنها لا تستطيع مواصلة العمل معي، إلى أن استقرت في مقر عمل محدد، فجاءت مرة أخرى عندي وأخبرتني أنها أصبح عندها متسع من الوقت وأنه بإمكانها الانضمام، فسعدت لذلك كثيراً.
في يومي الأربعاء والخميس، 20 و21 سبتمبر/أيلول، كانت هناك طاقة سلبية مزعجة وكنت أحس بالتعب والحزن، وكانت زميلتي البلقانية ترسل لي رسائل بين الفينة والأخرى، وتقول لي إن هناك روحاً غريبة للمكتب، وإنها كانت تحس بنفس شعوري، ضحكت وقلت لها: طبعاً ضغط العمل، لا غير.. ونسينا الموضوع بعد ذلك طبعاً.
مساء الخميس سألني زميلي في العمل عن حلا، فجاوبته بسؤال آخر ونبرة صوتي تغيّرت فجأة، دقات قلبي تصاعدت عندما قال لي إنهم في طور البحث عنها، وأن لا ترد على الرسائل أو الاتصالات منذ يومين.
أصابني الشك وقلت له: إنه لا شيء يدعو إلى الخوف، فقد يكون عندها التزامات أخرى ولا تريد أن تجيب على التليفون، ويمكن أن تكون نسيت هاتفها في البيت، وقد تكون خارج البيت من يومين. بعدها أخبرني أنهم حاولوا الوصول إلى أمها، لكن هاتفها كان مغلقاً أيضاً.
حاولت أن أبقى هادئة وأحاول أن أفرغ رأسي من كل تفكير في غير محله، اصطنعت الهدوء لكني لم أكن مرتاحة تجاهها، بعد أربع ساعات وصلني الخبر بأنها اغتيلت في بيتها هي وأُمها بطريقة وحشية.
لم أتمالك نفسي، اتصلت بأحد أصدقائها المقربين وأكد الخبر وبعدها رأيت على الفيسبوك ما نشرته خالتها شذا، حينها أحسست بالانهيار الشديد.
لم أبكِ عند سماع الخبر، ولم أنَم تلك الليلة من هول المصيبة، لكني بقيت مصدومة لغاية يوم جنازتها، عندها تأكدت جيداً أنها انتقلت إلى دار الفناء إلى دار البقاء.
لم أرد أن أصوّر مشاهد الجنازة، لكني كنت أراقب أنواع الناس التي حضرت التشييع ومن ثم الدفن، كانت الأعداد هائلة، وكان حضور مئات الناس من مختلف الطوائف السياسية ومن مختلف الأعراق.
هؤلاء الناس كانوا يتمنون أن يمشوا في ليلة زفافها، لكن شاءت الأقدار أن يمشوا في جنازتها.
يمكن لأنني لم أجرب فقداً من هذا النوع بالتحديد؛ لذلك حزنت كثيراً وكتبت كثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي عنها، حتى أعرف بها جيداً ويعرفها الناس كما عرفتها أنا وكما عرفها الكثير من الأصدقاء مثلي.
قبل أيام عديدة من وفاتها كنت أتحدث لأختي وأقول لها إن حلا وهبت شبابها للثورة، وإنها لم تكن تنشر عن أي شيء آخر إلا سوريا، كانت فتاة إدلبية تحب وطنها الذي طرد أُمها وتحب شعبها وكانت تعيش من أجلهم فقط.
رحمك اللهُ يا حلا الشام.
اللملكة المغربية
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 01-مايو-2024 الساعة: 01:50 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.raedat.com/news-1130.htm