رائدات /بقلم: أمل الرندي* - "معرض صفاقس لكتاب الطفل" عيد لأطفال صفاقس، ينتظرونه كل عام بلهفة وفرح، فهو أحسن هدية "تفرهد على القلب" كما يقال باللهجة التونسية الجميلة!
حشود الأطفال المكثفة مع أهاليهم أظهرت المعرض كأنه مهرجان شعبي يحتفل به الكبير قبل الصغير منذ 23 عاما في ربيع مثمر.
صحيح أن حجم الحضور لفت انتباهي، لكن حرارة اللقاء ادهشني!
حركة الأطفال الشغوفة داخل المعرض، كالفراشات حول الأزهار، تضيف جمالا وبهجة، ترحاب الأهالي بالضيوف غلف بحرارة الود، فأكد على رقي الوعي وتقدير قيمة الإبداع والكُتاب، تميزوا أهل صفاقس بالكرم بجميع ألوانه.. فكان حاتميا، واستقبالهم دافئا يزينه عطر عنبرهم الزاكي، ممتنين بمشاركتنا إياهم هذه المناسبة، وإن كنا نحن أكثر امتناناً للقائمين على المعرض، بأن أتاحوا لنا أن نكون جزءاً من هذه التظاهرة الثقافية تقديرا للطفولة.. فهم نادونا ونحن لبينا الندا
إنه "معرض صفاقس لكتاب الطفل" في نسخته المتجددة، التي تضعه في طليعة معارض كتاب الطفل العربية، إلى جانب مهرجان الشارقة القرائي لكتاب الطفل ومعرضي الرياض ودبي وسواهما من المعارض التي تتوزع على العواصم والمدن العربية.. فهو معرض "مزيان برشا".
جذب نظري من البداية شعار المعرض الذي فيه طفل جالس على قوس هلال القمر، وهو يقرأ في كتاب. كما لفتت نظري أنشطة المعرض المكثفة التي شارك فيها كتاب عرب وأجانب، وتوزعت على فضاءات: بيع الكتب والمجلات، مطالعة الرضيع والطفولة المبكرة، ثم مطالعة ذوي الاحتياجات الخاصة.
وفي الجانب الآخر من الأنشطة ندوات ولقاءات مع الكتّاب، وفضاءات مسرحية وسينمائية وحكواتية وفولكلورية وموسيقية، إلى عروض الدمى والعرائس والصور المتحركة.
وإذا كان المعرض عبارة عن ورشة لا تهدأ فإن الورش المخصصة داخله للأطفال كثيرة. وضيوف المعرض لا يهدؤون، فيعملون على تقديم المزيد من الأنشطة إلى جانب الكتّاب التونسيين، ليشتعل المعرض نشاطاً وحيوية. وهناك قاعات مزينة بأسماء رواد أدب الطفل ككامل الكيلاني، عبد التواب يوسف، اعترافا بما بذلوا وقدموا من أجل هذا الأدب،
في خلية العطاء التي لا تهدأ، كان لي شرف المشاركة في ندوة ولقاء و ورشة، الندوة بعنوان "مجلات الأطفال.. البحث في المفقود"، متحدثة فيها عن مجلات الكويت بين الماضي والحاضر، والتجارب الرائدة في تنشيط هذا الجانب الحيوي للطفل من قبل الجهات الحكومية، التي ساندت وساعدت كثيراً في إصدار مجلات متخصصة بالطفل، لا سيما الدور الذي لا تزال تلعبه مجلة "العربي الصغير"، والذي انطلق أيضاً مع الحضور المستجد المميز لمجلة "كونا الصغير". أما اللقاء الذي أقيم معي في جانب آخر من أنشطة المعرض فضم صغاراً وأهاليهم، وما أفرحني أنني وجدت الأطفال قد قرأوا وحفظوا أحداث قصتي الصادرة حديثاً "نجم المستطيل الأخضر"، وناقشوني في تفاصيلها، وكانت لديهم أسئلة ذكية ومفاجئة، مما جعلني أمتلئ غبطة، فالشغف والحماسة والاهتمام التي رأيتها لدى الأطفال أنساني المسافة البعيدة بين الكويت وصفاقس، وإذا أضفت، إلى ذلك، الحفاوة التي لاقيتها منهم، ازددت شعوراً بأني بين أهلي، وأن الانتقال من الكويت إلى تونس هو انتقال ضمن حدود الوطن الواحد.
لم يكن نعيم السيالة، مدير المعرض، الوحيد الذي شملنا بلطفه، وأفرحنا بتفانيه بالعمل من أجل إنجاح المعرض، إنما رأينا احتضاناً من قبل وسائل الإعلام لنا، ومودة من قبل كل من نصادفه ونسأله ونلتقيه، وعلى رأس المهتمين من مجتمع صفاقس الراقي كان رئيس البلدية، مبروك القسنطيني، الذي دعانا إلى القصر البلدي، ورحب بنا أجمل ترحيب.
لا تمر صور فضاءات المعرض من دون أن نتذكر محطات بارزة وأفكاراً جديرة بالاهتمام، ومن دون أن نشعر بأن الطفل الكويتي أيضاً أو كل طفل عربي يحتاج إلى مثل هذه المنارة التي تصوب مساره وتشعره بأهميته ووجوده، وتحفزه، وتفتح أمامه آفاق ثقافة لا بد من أن يكتسبها ليضيفها إلى رصيده المدرسي. فالقراءة فعل حضاري ندفع الأطفال إلى التعود عليه.
وإذا حولت الكثير من الدول الكتب إلى مجسمات إسمنتية أو معدنية تُنْشَر في الساحات والطرقات العامة، فإنني أتذكر هنا فكرة القراءة التي نفذها فنان في فنلندا بمنحوتة جميلة ومعبرة، فيها رجل لا يظهر منه سوى رأسه، وبيديه كتاب، وقد كُتُبت بجانب التمثال عبارة "اقرأ حتى وأنت تغرق"، فلنقرأ لنحلق ونعيش أفضل!
كاتبة كويتية
Amal.randy@yahoo.com
*الكويت
يرحب الموقع بآراء الزوار وتعليقاتهم حول هذه المادة تحديداً، دون الخروج عن موضوع المادة، كما نرجو منكم عدم استعمال ألفاظ خارجة عن حدود اللياقة حتي يتم نشر التعليق، وننوه أن التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الموقع.