رائدات / بقلم د.موزة المالكي* - قد يكون الإحساس بالأمان و"الأمن الإنساني"، والحاجة إلى الإحساس بهذه المشاعر كضرورة للوجود الإنساني، ربما أكثر ضرورة من الغذاء في بعض الأحيان كما أقول دائماً، تلك الحاجات التي وضعها عالم النفس "ماسلو" في نظريته المشهورة التي درسناها على شكل هرمي في أبجديات علم النفس، ووضع "ماسلو" في قاعدة الهرم الغذاء، بينما وضع الأمن والطمأنينة في المرتبة الثانية.
عندما وضع ماسلو عدم الإحساس بالأمن والطمأنينة سواء في الحياة أو في الوظيفة سبباً للأمراض - ليس النفسية فقط - بل أيضاً الجسدية، فقد أثبتت أكثر الأبحاث أن أغلب أنواع السرطان هي خلايا تتكون في الجسم نتيجة الضغوط النفسية.
هناك تجربة قام بها ابن سينا عالم النفس التجريبي والتي أثبت بها أن الكائن الحي الذي يعيش تحت وطأة خطر ما...وإن يكن هذا الخطر ليس فعلياً فإنه تتعطل به مناطق الطموح ويصاب بحالة نفسية تؤثر فسيولوجياً على أجهزته العضوية.
وأثبت ابن سينا ذلك بأن استخدم خروفين وضع أحدهما بمعية ذئب في غرفة واحدة، حيث ربط كلاً منهما على نحو لا يستطيع الوصول إلى الآخر.. بينما ترك الخروف الآخر يعيش ظروفاً طبيعية.. ومع أنه وفّر لكلا الخروفين كمية من الطعام متساوية في الكمّ والنوع، إلا أن الخروف الذي كان يعيش بمعية الذئب فقد شهيته بالتدريج، ووصل إلى حد الهزال والمرض..واستمر في فقد الوزن التدريجي حتى لفظ أنفاسه، رغم أن الذئب لم يستطع الوصول إليه والإضرار به، بينما في نفس الوقت كان الخروف الآخر الذي يعيش بدون أي خطر محدق به يلتهم طعامه بشهية مفتوحة ويزداد سمنة، ويقبل على الحياة ويكثر الثغاء والمأمأة.
الخطر الذي تلوح لنا به الظروف المحيطة بنا ينعكس على أدائنا في الحياة وينعكس على قدرتنا على احتمالها.. حتى لو أن كل الشواهد والمعطيات تدل على أن ذلك الخطر لن يكشر عن أنيابه للتوّ ولن يكون بإمكانه الاقتراب منا كما كان الذئب عاجزاً عن الوصول إلى خروف ابن سينا.
فالإنسان يفقد وداعته وهناءه ويشعر بأن أزيز الخطر يطنّ في أذنيه وأن الإفرازات التي تترتب على وجوده كما السمّ الذي يتسرب إلى شرايينه، ويؤدّي إلى تسمم أنسجته وتلويث رؤاه وتقتيم المحيط الاجتماعي حوله، ومن ثم يصاب ذلك الإنسان بتعاسة وانغلاق نفسي تتضاعف آثاره ربما إلى حدّ الموت التدريجي، كما حدث للخروف المعرض للخطر القريب البعيد.
أما الذين يعيشون على سجيتهم دون الإحساس بخطر يحدق بهم أو ينذرهم ويتهددهم فإنهم يرون الجانب المشرق الجيل من الحياة، ويطالعون الوجود بنظرة متفائلة وبحس سليم.
فالأمان هو الغذاء الروحي الذي يشحن الإنسان بطموح وطاقات تدفعه إلى الإنجاز والنشاط المتعدد والمتجدد الذي يؤدي به إلى توفير الكثير من احتياجاته، وبغير هذا الإحساس بالأمن الإنساني يفقد المرء الإحساس بلذة الوجود ويداهمه خطر الفناء.
*اكاديمية وكاتبة من دولة قطر
يرحب الموقع بآراء الزوار وتعليقاتهم حول هذه المادة تحديداً، دون الخروج عن موضوع المادة، كما نرجو منكم عدم استعمال ألفاظ خارجة عن حدود اللياقة حتي يتم نشر التعليق، وننوه أن التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي الموقع.
إن إقرار مؤتمر الحوارالوطني الشامل لقانون تحديد سن الزواج يمهد لإصدارالقانون رسميا واعتباره ساري النفاذ. وتحدت "أي مخالفة أو تجاوز لهذا القانون" فور صدوره