رائدات/بقلم :يسرا ناصر مهنا -
تشبه شعوب العالم الأزهار ، فكل زهرة لها شكل ولون ورائحة مميزة ، وهكذا هي الشعوب تتميز كل منها بثقافات ومهارات ومنتجات تعكس مالهذه الشعوب من خبرات ومثابرة وإصرار وقدرة على ترويض الطبيعة.
فمهارة الأنامل الدقيقة وذكاء العقول النيرة والخبرات التي تراكمت لدى الشعوب لمئات من السنين ليتمكنوا بالنتيجة من صنع منتجات يدوية غاية في الإتقان والجمال وذلك قبل أن يخترع البشر المكائن ويتوصلون الى الإنتاج الآلي بقرون عدة . حيث أشتهر كل شعب بمنتجات مميزة ، فالخزف الصيني والقماش الهندي المطرز بالزري والإبريسم والسجاد الفارسي ذو العقد المتناهية الصغر والسدو الذي تصنعه النساء البدويات والمصنوعات النحاسية المصرية والفخاريات التونسية و التماثيل الخشبية المصنوعة في القرى الأفريقية و الأزهار الهولندية والعطورات الفرنسية والشيكولاته البلجيكية والساعات السويسرية وغيرها الكثير من المنتجات ماتزال منذ قرون تبهر العالم بإتقانها ودقة صناعتها.
وحتى ما نظن إنه نتاج لجود الطبيعة وكرمها مثل اللؤلؤ الطبيعي والمحاصيل الزراعية وغيرها ، فإن ما مكن من إستغلالها وتحويلها الى منتج يستفيد منه البشر هو خبرة الإنسان ومهارته وما تراكم لديه من معلومات ، فإستخراج اللؤلؤ من أعماق البحر يعكس قوة وإصرار الإنسان وتحديه للبحر وما يملكه من مهارات وفنون ملاحية ، ويظهر تحدي وعناد البشر جلياً كذلك في زراعة أصناف من المنتجات الزراعية والعناية بها رغم ظروف الطبيعة والمناخ القاسية.
فالشاي الذي نبدأ يومنا بشرب فنجان منه يعد أكثر المحاصيل حاجة للعناية والرعاية كما إن مراحل إعداده وتخميره تتطلب ظروف خاصة ومهارة بشرية فائقة.
أما أزهار التوليب الفاتنة التي تزين مناسباتنا الباذخة ، فقد شكلت زراعتها تحدياً كبيراً للطبيعة ، فالهولنديين الذين تقع أكثر من نصف بلادهم تحت مستوى سطح البحر جففوا مناطق كبيرة من البحر و استصلحوا أجزاء من الاراضي الساحلية ، وحولوها إلى أراضي زراعية ليزرعوا بها أنواعاً من الورود والأزهار تنتشر اليوم في صالات الأعراس والمناسبات وعلى موائد الأغنياء في جميع أنحاء العالم.
جهود اليشر تتكامل وتضيف لبعضها البعض ، فهذا التعاون فتح المجال أمام إبداع الإنسان في تطوير مهاراته العقلية واليدوية وصنع وزراعة وإبتكار أنواع وأصناف من المنتجات الجديدة كل يوم . وقد ظهرالتعاون والتبادل التجاري بين أمم الأرض منذ ما قبل الحضارات الإنسانية الأولى ، وبشكله البدائي من خلال نظام المقايضة ليتطور ويأخل أشكالاً أكثر تطوراً وتعقيداً .
وكما قال الكاتب ماكس ليرنر ( إما يتعلم البشر كيف يعيشون كالأخوة أو يموتون كالبهائم ) . وكما قال أيضاً الفيلسوف الإنجليزي الشهير بيرتراند راسل ( الأمر الوحيد الذي سيحرر البشرية هو التعاون ).
فحتى وإن إختلفت أشكالنا وألواننا وأدياننا ولغاتنا وتوجهاتنا إلا إننا نشكل عالماً واحداً متكاملاً وثرياً بفرادته وتنوعه.