رائدات/بقلم : أمل الرندي -
تتساقط على رؤوسنا الأخبار، كل صباح، كالحجارة الثقيلة، نفتح الشاشات العربية فتناوب على ازعاجنا واحدة تلو الأخرى... اغتيالات،* متفجرات، سيارات مفخخة، انتحاريون، براميل بارود، وقتلى بينهم نساء وأطفال... كلها تحت عنوان واحد هو العنف!
بعد ذلك لا تستطيع ثلاثة فناجين قهوة أن تغسل ذاكرتنا من كل هذا الألم والحزن والازعاج المستمر... فنحن لا نستطيع أن نغيب عما يجري حولنا، وبتنا لا نتحمل كل تلك المشاهد المؤذية!
كأن العالم نسي معنى التعقل أو التسامح، فلغة العنف أصبحت اللغة الأولى للأسف، وتراجعت اللغات الأخرى أمامها،وفقدت ناطقيها... وكأن سمات العصر الجديد تبدلت وتغيرت، فأين نحن من حضارة العصر وتقدمه وتفوق الجنس البشري وتطور الذكاء، واستخدام انسان اليوم لخلايا اضافية من دماغه!
أين لغة التسامح التي تغسل القلوب، وتحسن صحتنا العقلية والبدنية والنفسية. وأين قول الأم تريزا: «اذا أردنا الحب... فلابد من أن نتعلم الغفران!».
يقولون تلك مصالح دول، لكن أين الانسان من الدول؟ لمن تعمل الدول؟ لماذا تشعل الدول عقولنا ومشاعرنا بالأحاسيس السلبية كالحقد والكراهية؟!
تلك سموم لا تبثها الا أفاعي هذا العصر، التي تلتف على العقل وتأسرنا، وتغرز أسنان الحقد في أعصابنا، وتثقل كاهلنا بالآلام، فلا نسمع الا الأنين... وبغياب التسامح يسود الحقد وعدم القدرة على الصفح وتستمر مواكب الموتى والمشاهد التي تقتلنا ونحن أحياء، وبالتالي يصبح من آذانا أكثر قدرة على أن يفرض سيطرته السلبية على مشاعرنا. التسامح أفضل هدية نهديها لأنفسنا، لكن الدول في مكان والأبحاث التي نقرأ نتائجها الخارجة من مراكزها في مكان آخر، فقد أكدت الأبحاث العلمية: أن تعلم الصفح والغفران يؤثر ايجاباً على جميع أعضاء الجسم وسلامة الجهازالعصبي، ويقلل نسبة الاصابة بالأمراض المزمنة، وأنه يمكن اكتسابه مثل رمي كرة البيسبول وممارستها بشكل متواصل لا كحدث موقت، وبذلك يكون توجهاً وأسلوباً حياتياً،وهو يُحدد هل سيدوم الألم أم أن العلاج سيبدأ!
لكن من يسمع ويقرأ؟!
انه خيار... وكل توجهات الحياة خيارات... فاذا كان خيار العنف الذي نرى نتائجه أمامنا في حروب الدول بالأسلحة الخفيفة والثقيلة يقدم لنا صورة مكبرة عن نتائج العنف، فأحرى بالفرد أن يتعظ، ويختار أنسب أساليب التعامل مع المواقف التي تواجهنا في حياتنا، فالغفران أسمى أشكال الحب، لأنه انارة للقلب ويزيد المؤمن ايماناً فوق ايمانه... وهو من أرقى الفضائل التي يمكن اكتسابها، ومن صفات الله سبحانه وتعالى أنه غفور رحيم. فقم وواجه الجرح، واعترف بالألم، لكن لا تحبس غضبك لتفجره في سواك، حتى لو كان يستحق العقاب، أفرغه في الدعاء الى الله، وفي سحابة تمر فوقك، وعلى شاطئ بحر. أصدر قرار العفو، ولتعلم أن الغفران يمنحنا السكينة، وتلك هبة لا تقدر بمال... فلنكتب الاساءة على الرمال، او على لوح ثلج، كي تمحوها رياح التسامح، أو حرارة شمس صباح جميل! فالتسامح ليس عفوا عمن أذنب معكم فقط، انما هو أيضاً تطهير نفوسكم من الأحقاد والآلام، اراحة أجسادكم من توتر الانتقام، تخلصكم من نتائج العنف المضاد.
ان نشرنا لروح التسامح يشبه نشر عطر طيب على من حولنا.. فطيبوا أنفاسكم بذكر الله... وعيونكم بالتسامح... وقلوبكم بالحب!
* كاتبة كويتية
Amal.randy@yahoo.com