رائدات / الشاعرة / سميرة عبيد * - أَمْشِي عَلَى الرَّمْلِ مَرَّةً أُخْرَى
وَهَذَا وَجْهِي
يَلْتَحِفُ سِيرَةَ اللَّيْلِ
يَحْكِي
اكْتِمَالَ القَمَرِ
في عَيْنِ الصَّحْرَاءِ
يَـجْرِفُنِـي الـحَنِينُ
أَحْتَارُ
أَيَّ ذَاكِرَةَ سَأَخْتَارُ؟
رَائِحَةُ الشَّايِ الأَخْضَرَ
تَطْفُو مِنْ حَدِيثِ الـمَقْهَى
خَلْفَ النَّافِذَةِ
صَوْتٌ أَنْدَلُسِيٌّ يَتَرَنَّحُ مِنَ الشُّرْفَةِ:
ـــ”لاَخِيرَالْدَا”
“لاَخِيرَالْدَا”
أَهُوَ طَيْفُكِ الَّذِي
يَتَرَقْرَقُ مِنْ إشْبِيليَّةَ
أَمْ طَيْفُ حَضَارَةِ الأَنْدَلُسِ
تُقَاوِمُ فِي السِّرِّ مَدَّ جَبْهَاتِ الفَأْسِ؟
سُورٌ قَصِيرٌ
وَمَدَافِعُ ثَقِيلَةٌ
تَحْرُسُ مَا تَبَقَّى مِنْ ذَاكِرَةِ
بَحْرِ الرُّومِ أَمْ مِنْ بَحْرِ الظَّلاَمَ؟
هُوَ سُورُ العَذَارَى مَنْ يَزُورُنِي الآنَ
ذَاتَ رَبِيعٍ
كُنْتُ خَلْفَ نَافِذَةِ طَنْجَةَ
أُصْغِي إِلَى ضَوْءِ نِيُّونٍ خَافِتٍ
في شَارِعِ “البُولِيفَارْ”
لاَ مَطَرَ هُنَا
مُجَرَّدُ شِتَاءُ صُوَرٍ تُحَرِّضُنِـي عَلَى التَّيهِ
هُنَا بالذَّاتِ
الأَرْصِفَةُ قَدْ تَعْبُرُ بِـكَ
أَسْرَعَ مِنْ زَمَنِ الـهُبُوطِ
بِقَدَمَيَّ أَنْزِلُ مَجَاهِلَ مَائِدَةِ “الخُبْزِ الحَافِيِّ”
لاَ أَحَدَ سِوَايَ يَطْرُقُ بَابَ طَنْجَةَ:
هُنَا امْرَأَةٌ جَبَلِيَّةٌ تَبِيعُ قِطَعَ الـجُبْنِ تُزَرْكِشُ مَلاَبِسَهَا خُطُوطُ الأَحْمَرِ وَالأَبْيَض؛ أَيُّ مِفْتَاحٍ يُشَكِّلُ تَقَاسِيمَ لَوْحَةِ الوَجْهِ الـمُورِسْكِيِّ..مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقْنِعَهَا كَيْ تَسْمَحَ لِي بِالْتِقَاطِ صُورَةٍ إِلَى جَانِبِهَا، لاَ أَفْهَمُ مُوسِيقَى العَيْنِ البَاسِمَةِ الخَجُولَةِ، وهِيَ تُخْفِي وَجْهَهَا العَارِيَ أَمَامَ عَدَسَتـِي الصَّغِيرَةِ، بَيْنَمَا يَمُورُ شَيْخٌ في جَلَبَةٍ يُكَلِّمُ نَفْسَهُ دُونَ أَنْ يَلْحَظَ تَيْهَهُ أَحَدٌ، وَطِفْلَةٌ صَغِيرَةٌ تَبِيعُ قِطَعَ الـحَلْوَى تَحْمِلُ دُمُوعَ “زَمَنِ الأَخْطَاءِ” فِي الـحَاضِرِ، ومَاسِحُ أَحْذِيَةٍ يُدَنْدِنُ قُرْبَ مَقْهَى”سُنْطْرَالْ” يَتَغَنَّى بِشَبَحِ مُـحَمَّد شُكْرِي لِيُوقِظُهُ مِنْ غَفْوَتِهِ لكَيْ يَهْمِسَ لَنَا عَنْ وَعَنْ:
عَيْنُ أُمِّهِ الـمُتَوَرِّمَةِ
حِزَامُ أَبِيهِ الـعَسْكَرِيِّ
سِرُّ أُسْطُورَةِ “السُّوقِ الدَّاخِلِيِّ”
سَمَاءُ “دَارِ البَارُودِ” التي تَنْغَلِقُ وَتَنْفَتِحُ
الأَزِقَّةُ الـمُلْتَوِيَةِ
دَرَجُ البَاخِرَةِ الرَّاسِيةِ في الزُّرْقَةِ
الـمَدافِعُ التي تُغَازِلُ زَغْرُودَةً
آتِيَةً مِنْ بَابٍ خَشَبِيٍّ
يَتَقَشِّرُ وَجْهُهُ فِي الـجُدْرَانِ الـمُهْتَرِئَةِ
تَطْفُو مِنْهَا رِيَّاحُ الشَّرْقِيِّ الـمُلَبَّدَةِ
بِرَائِحَةِ السَّجَائِرِ الـمُهَرَّبَةِ
مِنَ الـمَاضِي
لاَ أَثَرَ هُنَا للتَّعَبِ
الـحَرَكَةُ ثَقِيلَةٌ بِخِفَّتِهَا
وَأَنَا أَمْضِي إِلَى نِهَايَةِ حِكَايَةِ السَّفَرِ قَبْلَ أَنْ أُعَاوِدَ الخٌرُوجَ مِنْ فُنْدُقِ “الـمَنْزَهِ” حَيْثُ الأُسْطُورَةُ تُغْرِيكَ بأَنْ تَمُدَّ يَدَيْكِ إِلَى”مَغَارَةَ هِرَقْلْ” قَاطِعاً بُسْتَانَ الـمَدِينَةِ الأَخْضَرَ مُتَجَنِّباً عَشَرَاتَ القَصَصِ إِلَى أَنْ تَصِلَ بَطْنِ الجَبَلِ السِّحْرِي يُلَوِّحُ لَكَ البَحْرُ مِنْ أَدْغَالِ الـمُحِيطِ، كُلُّ شَيْءٍ هُنَا يَفْتَحُ قَلْبَكَ عَلَى الـجَرْيِ مَرَّةً أُخْرَى خَلْفَ طُفُولَةِ الـحَيَاةِ في الرَّمْلِ، وانْتِظَارِ شَمْسٍ صَدِيقَةٍ كَيْ أُجَفِّفَ أَلَمَ الـمَجَازِ وَإِنْ لَمْ تُسْعِفْنِـي مِسَاحَاتُ العُبُورِ..
لَكِّنّنِي أَرَى بِعَيْنَيَّ
حِكَايَات العَابِرِينَ في “طَنْجَةَ”:
جِيـرْتْرُودَ شْتَايْنْ
بُولْ بُولْزْ
جَانْ جِينِيهْ
تِينْسِي وِلْيَامْزْ
هَلْ تَذْكُرُونَ
“بَابَ البَحْرِ” في الـمَدِينَةِ القَدِيـمَةِ
و”مُتْحَفَ القَصَبَةِ”
والدُّرُوبَ الـمُفْضِيَة إِلَى “مَقْهَى الـحَافَةِ”؟
مِنْ فَوْقِ رَبْوَةٍ
كُنْتُ أَمْشِي بِذاكِرَتِي إِلَى الرُّبْعِ الخَالِـي
أَتَأَمَّلُ سَفِينَةَ الرَّمْلِ
أَتَذَكَّرُ قَصِيدَتِي الأُولَى عَلَى شَجَرَةِ الصُّبَّارِ
كَانَتْ تُبْكِينِـي عُزْلَتُهَا
فَأَبْكِي مَعَهَا
وَأَنْزَعُ شَوْكَتَهَا وَأُخْفِي دَمِي
إِلَى أَنْ أَرَى بُرْجَ خَلِيفَةَ يُهَدْهِدُ جُرْحَ الصَّحْرَاءِ
بِبَحْرٍ آخَرَ مِنْ قَلْبِـي يَتَجاَوَزُ كُلَّ البِحَارِ
يُوقِظُنِـي مِنَ الـحُلْمِ لِأَدْخُلَ بَابَ الشَّارِقَةِ
وَأَنَامَ في قَلْبِ أُمِّي
كَيْ أُغَنِّي قَصِيدَةَ الـحُبِّ
فِي حَضْرَةِ ابن عَرَبِـيٍّ
لِتُشْرِقَ شَوَارِقَ الرُّوحِ بِأَكْمَلِهَا
فِي القَلْبِ كُلَّمَا دَمَّرَنِي الحَنِينُ
* شاعرة قطرية |